منظمات إرهابية تستقطب الأطفال بألعاب إلكترونية تبثّ العنف

من المؤكد أن مبتكري مواقع التواصل الاجتماعي، كان هدفهم الرئيسي منها خدمة البشرية في تناقل الأخبار المتدفقة في عصر السرعة والعولمة، إلا أن الخطورة تكمن في أن هذه المواقع، تغلغل إليها صناع الشر من الجماعات الظلامية التي تتسلل لأبنائنا عبرها، لتستقطبهم، وتسقطهم في فخ الإرهاب، وتأتي على التزامهم الوطني، وارتباطهم بأرضهم، وتقنعهم بأضاليل، لينتهي الأمر إلى تجنيدهم.
حالات وقصص ترويها وسائل الإعلام عن هذه الضحايا التي تقع في براثن المنظمات الإرهابية وتستغل الفرص والضعفاء الذين يعانون مشكلات جمة يصعب على البعض الخروج منها، لتستغل تلك الجماعات الفضاء وتروج عليه ألعاباً إلكترونية تؤدي إلى العنف أو القتل. فالإحصاءات تشير إلى أن أنشطة «داعش» على الإنترنت تصل إلى 62% وعلى «تويتر» %32، و«فيس بوك» 36%.

ومن هنا لا بد أن نجزم بأن مواقع التواصل أصبحت واقعاً مشهوداً، يستلزم الانتباه، واتخاذ خطوات مدروسة من كل الأطراف: الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية والتربوية لتجنيب الأبناء تلك المخاطر.
أشار العقيد الدكتور جاسم خليل ميرزا، مدير إدارة التوعية الأمنية في شرطة دبي، إلى دور الأمن في الوقاية من الإرهاب والتطرف، قائلاً نحن اليوم نعرف أن المنظمات الإرهابية تسخر وسائل الإعلام في تجنيد الشباب والأطفال، خاصة فيما يتعلق بداعش والقاعدة، وهناك أمثلة كثيرة في الوطن العربي، على كيفية تسخير الإعلام في استقطاب الشباب، مثل «تويتر» و«فيس بوك» والقنوات الخاصة تسخرها تلك المنظمات للتواصل مع الشباب، ما كان له دور كبير في التأثير في الشباب والأطفال، فاليوم تستخدم «داعش» بعض الألعاب الإلكترونية، مثل «صليل الصوارم» التي تعلم الأطفال العنف والقتل.
ويسرد ميرزا قصة واقعية، عن أن مديرة إحدى المدارس، اتصلت تشكو طالباً عمره 12 سنة يروج بين أقرانه ل«داعش»، وبعد التحقيق معه وجدنا أن والده ليس لديه أدنى فكرة عن ذلك. وبسؤال الطفل أجاب أنه يتابعها عبر إحدى قنوات التواصل، وأهله لا يعلمون. واستطرد أن هذه المنظمات تختار ضحاياها ممن يعانون المشكلات، مثل مدمني المخدرات وأصحاب السوابق والمصابين بالإيدز، ومن الأسر المفككة، ما يدفع بالطفل أو الشاب إلى البحث عن حضن دافئ افتقده في أسرته فيتجه إلى قنوات أخرى تكون على استعداد لتجنيده.
ودعا إلى ضرورة وجود إعلام هادف توعوي وتثقيفي يحارب هذا الفكر المتطرف، يتولى التوعية والتثقيف وكيفية الوصول إلى عقول أبنائنا.
وأكد أن المنظمات الإرهابية تستفيد من تقنيات الإنترنت في التسويق والترويج وفي التجنيد واستقطاب الشباب والأطفال، خاصة أننا في عالم مفتوح على الكثير من القنوات الإعلامية ولا تستطيع الأسر الرقابة المباشرة على أبنائها لذا يجب أن يكون التركيز على التربية والتوعية والمتابعة، وأدعو إلى تنفيذ حملات توعوية مستمرة لأفراد المجتمع وخاصة الشباب، والاهتمام بالوعي الأمني ونشره في المجتمع، وخاصة الإعلام الجديد في تعميق الوعي والحس الأمني وتطوير استراتيجية إعلامية عربية فاعلة للتصدي للمنظمات الإرهابية، بتفعيل دور المؤسسات والجامعات.
وقال الدكتور عطا حسن إبراهيم، عميد كلية الإعلام في جامعة الجزيرة: من المفترض أن وسائل التواصل، إحدى الوسائل التي تشاركنا في حياتنا اليومية وفي تربية أولادنا، مثل المدرسة والمنزل، حتى من يدعي أن ابنه أو ابنته لا يستخدمان هذه الوسائل وأنه قادر على منعهما، لكن الحقيقة أن أطفالنا يتأثرون في المرحلة السنية الصغيرة بمواد إعلامية تحتوي مشاهد عنف، قد يتشبع بها لتنمّي لديه ثقافة العنف.
ويضيف أن هناك نظرية استزراع العنف في الطفل، عبر ما يشاهده في وسائل الإعلام وتطرح عنده ألف سؤال، ويألفها حتى يصل إلى حد الاستمتاع لكثرة مشاهدتها، ولا يشعر بالضيق والذعر، وهذه هي المرحلة الأشد خطورة، لذا يجب أن تكون المشاهدة مراقبة، أي في وجود الأب أو الأخ الأكبر أو الأم، ليشرحوا للطفل أن ما يشاهده هو سلوك غير سوي وغير صحيح، وفيه إيذاء للغير، ويجب ألا تكون المراقبة مباشرة، خاصة أن الدراسات أشارت إلى أن الطفل يتعرض يومياً إلى 3-4 ساعات لوسائل الإعلام، وهو أمر خطر، خاصة أن أكثر من 80 % من أفلام الأطفال العادية والكرتون فيها عنف بدرجة كبيرة، و10% أغراض تعليمية. وبالتالي فإن النتيجة تعزيز ثقافة العنف وخلق طفل عنيف، والحل في رأيي، وفي ظل العولمة والكوكبة والكونية لا بدّ من وجود استراتيجية عالمية لا إقليمية ولا محلية، وتكون على مستوى العالم مجندة لهذا التطرف والحد منه.
أميمة العاني، رئيسة قسم البحوث والدراسات في إدارة مراكز التنمية الأسرية في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، رأت أن الأهل هم من سمحوا لأطفالهم بأن يختاروا أي أداة يلهون بها وفتحوا أمامهم ساعات لمشاهدة التلفاز، دون حسيب ولا رقيب، بل وأعطيناهم الحق بأن يلهوا بالألعاب الإلكترونية والسبب يعود إلى انشغال الأهالي عن أولادهم، وإلى الازدحام الذي يمنع رب الأسرة من اصطحاب ابنه إلى النادي أو المعهد الموسيقي، لكي يمارس إحدى الهوايات التي تفيده، ولتبعده عن اللهو بالأجهزة الإلكترونية المتوافرة بكثرة في المنزل، حيث يوجد لكل فرد منها جهاز أو اكثر لكل فرد.
واستطردت قائلة، في جيلنا كانت قنوات اللعب للطفل محددة ومقننة على قلتها، وكان الأهل يحددون وقتاً لمشاهدة التلفاز ولبرامج محددة، ولم نكن نشاهد أجهزة تلفزيونية في كل غرفة وجهاز حاسوب وما إلى ذلك. لذا كانت طبيعة الأطفال ودودة صديقة محبة، وليست عنيفة، لأن البيئة المحيطة بنا كانت بيئة صديقة للطفل من الأهل ومن المدرسة وأيضا من المحيطين.
وأشارت إلى ان دور المدرسة تحول وأصبحت تضغط على الطفل بالدروس والفروض لدرجة لم يعد لديه وقت ليتنفس أو يعبر عن نفسه، بل تحول إلى شخصية عدائية عنيفة متنمرة يضرب رفاقه ويشتمهم. من هنا كان خيارهم لهذه الأجهزة الإلكترونية المتوافرة والحديثة في المنزل وفي المدرسة، وجميعنا يعي مدى خطورتها والجهات المدسوسة فيها التي تبثّ الغث والرخيص والخطر، ليتحول الأبناء إلى ضحايا وتؤدي بهم إلى الضياع وغسل الدماغ. لذا من الضروري إعادة دور الأسرة ودور المدرسة والمعلم إلى ما كان عليه في السابق.
الدكتورة آمال زكريا، متخصصة في الإرشاد النفسي والأسري، رأت أنه لا يوجد طفل يقتل أو يؤذي أحداً من أهله أو رفاقه، إلا إذا وصل إلى حد الإدمان على الألعاب الموجودة على الأجهزة الإلكترونية التي ترسخ مبدأ العنف والقتل. ومؤشرات الإدمان أن الطفل لا يمارس الأنشطة اليومية الملقاة على عاتقه وكان يقوم بها، وتقل شهيته عن الطعام والشراب أو يتوقف عن كليهما.
وتضيف، ان الطفل الذي يتأثر بالأفلام ومضامين العنف ويعمل بها من المؤكد انه يعاني مشكلات اسرية، وخاصة تلك الناجمة عن مشاهدة الخلافات بين والديه والصراخ في المنزل، الذي يفترض ان يحمل السلام والسكينة والأمان إلى نفسه، ونتيجة لهذا العنف يهرب من الواقع الحقيقي إلى واقع افتراضي الذي هو على مواقع التواصل ويعيش فيه ويعدّه الواقع الحقيقي.
اللواء الدكتور سيد غنيم، استشاري الأمن الدولي وأستاذ زائر بأكاديمية دفاع حلف الناتو في روما، قال إن التعرض للأطفال في الجريمة الإلكترونية يندرج تحت العمل الإرهابي لتلك المنظمات التي تحرص تماما على هذا الأمر وتهتم به كاهتمامها بالتوجه إلى شريحة الشباب واستلاب عقولهم برسائلها الإلكترونية وبرامجها وألعابها، وهذا يعد تهديدا للمجتمعات، وأمرا ليس جديدا وليس محصوراً في جنسية أو في منطقة إنما له أسباب مركزية، فضلا عن الإعلامية والإيديولوجية. وأسباب انتشاره خاصة في تلك المناطق التي تعاني الفقر والحروب والتعليم الخطأ وتزايد المنصات الإعلامية التي ترمز إلى التطرف والهجرة غير الشرعية والنزوح والفقر، فضلاً عن اللاجئين والنازحين بصورة غير منظمة، وانتشار البطالة. وهذه كلها تجعلها دولاً هشة.
يشير الدكتور خالد الخاجة، أستاذ الإعلام، مدير جامعة عجمان سابقا، إلى أننا نعيش اليوم عصر انفتاح الفضاء الإعلامي الجديد الذي أفرزت تقنياته كماً هائلاً من الوسائل والوسائط الإعلامية الجديدة. وسميت منصات الإعلام الجديد وهي متنوعة من حيث طريقة عرض المضامين الإعلامية. والمشكلة التي نعانيها، أن هذا الانفتاح صعّب ضبط هذا الكم من الوسائط الإعلامية، لذا أصبحت المنصات الإعلامية بوابات للإرهاب، على الرغم من ان هناك جهودا جبارة ل«ضبط» الممارسة الإعلامية عبر منصات الإعلام الجديد وخاصة مواقع التواصل، لكن رغم الجهود يصعب تحقيق هذا الضبط بسبب الانفتاح المتسارع للوسائط والتطبيقات عبر الإنترنت. وتكمن المشكلة في أن المنصات هي النوافذ التي يطل منها الإرهاب بحيله المختلفة على ضحاياه بصورة محببة وأساليب متطورة ومدروسة، ويختارهم بدقة ومن بين هؤلاء الضحايا الأطفال والشباب.
ويرى الخاجة ان هناك جهوداً كبيرة تبذل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في هذا الصدد، لكن التغيرات المتسارعة على أرض الواقع «تمنع» من قدرة الوسائل على القضاء على الإرهاب. والمشكلة أن هناك عدم قدرة على «التخطيط المشترك» بين الوسائل لأسباب كثيرة، وذكر ان للإرهاب كثيرا من الوجوه، وهي الإرهاب القانوني ويركز على الأحكام والإجراءات القانونية لمرتكبيه، والاجتماعي: يتناول آثاره في الأفراد والمجتمعات، والشرعي: يركز على الأحكام الدينية المتعلقة به. والنفسي يهتم بانعكاساته على المشاعر الإنسانية وما يخلفه من جوانب سلبية.

 

عن عبد الله

المؤسس و الرئيس التنفيذي لموقع الجزائر 48

شاهد أيضاً

سعوديون يطالبون بحظر يوتيوب أسوة بمصر

سعوديون يطالبون بحظر يوتيوب أسوة بمصر

مغردون سعوديون يطالبون بحجب موقع يوتيوب أسوة بحكم قضائي صدر في مصر بحظر الموقع العالمي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *