تحقيق: “ستار الزمن يُرفع” المسرح العربي في مواجهة العصر الرقمي

منذ بزوغ فجر المسرح العربي مع مارون النقاش وحتى اليوم، تعرّجت مسيرته بين صعود وهبوط؛ متأثراً بعوامل عدة، حدّت من رقيّه وامتداده الثقافي؛ فاليوم يقف المسرح العربي على أعتاب مرحلة جديدة، ملؤها التحديات والتطلعات، في ظل استذكار الإرث العربي الأصيل الذي يُجسّد حكايات “ألف ليلة وليلة”، وذكريات السِير الشعبية التي مهّدت الطريق لنشأة مسرح عربي متفرد. ففي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة وتغيّر الأذواق الثقافية، في هذا التحقيق، نطرح العديد من التساؤلات في مواجهة هذا التراث، يبرز التحدي الكبير: هل يمكن للمسرح العربي أن يحافظ على مكانته بين موجات الثورة التكنولوجية، أم أنه سيتقهقر أمام زحف التقنيات الجديدة؟ ولكن يبقى السؤال الأهم: ما هو مصير المسرح في أوطاننا العربية؟

ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، وتزامناً مع اليوم العالمي للمسرح الذي يوافق الـ27 من مارس كل عام، تفتح «سيدتي» هذا التحقيق مع نخبة من أهل المسرح العربي، وهم: الباحثة والناقدة المسرحية/ حليمة مظفر- السعودية، المخرج المسرحي/ السعيد منسي- مصر، والناقدة المسرحية/ بشرى عمور- المغرب؛ لنتجول سوياً بين حقائق التاريخ وآفاق المستقبل، ونستشرف معاً مصير المسرح في بلداننا العربية، والعوامل التي قد تُشكّل ملامح غده.

المسرح العربي: تاريخ وتطور

يُعتبر المسرح من الفنون التي تمتد جذورها في التاريخ العربي القديم، ومع تطور العصور، شهد المسرح العربي تحولات هامة. في القرن العشرين، شهد المسرح العربي تطوراً ملحوظاً بفضل المسرحيين والكتاب المبدعين الذين أسسوا مدارسَ مسرحية جديدة في العالم العربي. تميز هذا التطور بتقديم القضايا الاجتماعية والسياسية بطرق جديدة ومتجددة، واستخدام تقنيات إبداعية متقدمة. يُعتبر المسرح العربي مثالاً حياً على التراث والثقافة العربية، ويعزز الانتماء والهوية الثقافية للشعوب العربية. يلعب المسرح أيضاً دوراً هاماً في توعية المجتمع وتعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي.

تطور المسرح العربي في العصر الحديث

شهد المسرح العربي في العصر الحديث تطوراً ملحوظاً في مجالات الكتابة والإخراج والأداء. أصبحت القصص والمواضيع أكثر تنوّعاً وتعدداً؛ حيث تم التركيز على استكشاف القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تهم الشعوب العربية. كما تراوحت أشكال المسرح بين: المسرح الواقعي، والتجريبي، والتجميعي، والتفاعلي؛ مما أعطى المخرجين والممثلين المزيد من الحرية في التعبير وابتكار العروض المسرحية. وبفضل تقدم التكنولوجيا، تم توظيف الإضاءة والصوت والتأثيرات البصرية بشكل مبتكر في العروض المسرحية؛ مما أضفى عليها جوّاً مثيراً وقوة تواصل مميزة مع الجمهور. وقد أصبح المسرح العربي في العصر الحديث واحداً من أبرز المنصات الفنية للتعبير عن التجارب والقضايا الحديثة في العالم العربي.

أهمية المسرح في العالم العربي

يحمل المسرح في العالم العربي أهمية كبيرة في تعزيز الهوية الثقافية العربية، وتشجيع التعبير الفني والابتكار؛ فهو وسيلة فريدة للتواصل وتبادل الأفكار والمشاعر بين المبدعين والجمهور، ويساهم في تعزيز الوعي الاجتماعي والثقافي للمجتمع؛ حيث يستطيع المسرح تناول القضايا المعاصرة والتحديات التي يواجهها العالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، يتيح المسرح أيضاً فرصةً للترفيه والاستمتاع للجمهور؛ حيث يمكن للمسرح أن يوفر تجربة فريدة من نوعها، من خلال العروض الحية والأداء المميز. بالإضافة إلى تأثيره على المجتمع والسياسة، يعَد المسرح في العالم العربي ملتقى للفنانين والكتاب والمخرجين والممثلين، ويعزز التواصل والتعاون الثقافي بينهم.

واقع المسرح العربي

توجهنا أولاً للمخرج المسرحي/ السعيد منسي، وهو الفائز بجائزة أفضل مخرج مسرحي في المهرجان القومي للمسرح المصري مرتين؛ لنسأله عن واقع المسرح العربي من وجهة نظره؛ حيث قال: “من الواضح أن هناك طفرة مسرحية كبيرة في الوطن العربي، وهذا يتجلى من خلال المهرجانات المسرحية التي تنظمها عدة دول عربية، مثل المهرجانات المسرحية التي تقام في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأيضاً مهرجان المسرح العربي الذي أقيمت آخر دوراته في العراق يناير 2024، إلى جانب الطفرة المسرحية الموجودة في المملكة العربية السعودية، التي أجرت مؤخراً بروتوكول تعاون مشتركاً مع وزارة الثقافة المصرية، كل ذلك بالإضافة إلى المهرجانات السنوية التي تقام منذ عدة سنوات، مثل مهرجان قرطاج في تونس”.
أما الباحثة والناقدة المسرحية/ حليمة مظفر؛ فقالت: “لا شك أن المسرح العربي اليوم يعاني من هشاشة فنية أدت إلى ضعف إقبال الجمهور، نتيجة المنافسة من وسائل ترفيه أخرى، وليس المنصات المرئية والرقمية؛ فالألعاب أيضاً من وسائل الترفيه، والملايين يقضون وقتهم بها.. وبكل شفافية، لو توفر المسرح العربي الذي يتسم بالإبداع والابتكار، ويتحدث عن الجمهور ليجد نفسه فيه؛ فسوف تمتلئ المقاعد لمشاهدته”.

بدورها أكدت الناقدة المسرحية/ بشرى عمور، على أن واقع المسرح العربي يعاني من مشاكل عدة؛ حيث قالت: “نحن نفتقد في واقعنا المسرحي إلى النصوص والمسرحيات التي تتمتع بقوة الكلمة؛ فنحن نرى مسرحيات كثيرة حالياً تعتمد فقط على الكوميديا المبتذلة من دون هدف؛ فنحن لا نفتقد إلى المسرح الجيد فحسب؛ بل حتى المسرحيات الكوميدية الهادفة أصبحت نادرة؛ فمَن منا ينسى مسرحية “شاهد ما شافش حاجة”، أو “مدرسة المشاغبين”، أو المسرحية المغربية “بديع الزمان الهمذاني”، وأيضاً مسرحية “باي باي يا عرب”، ومسرحيات عدة كانت تقدَّم في سوريا ولبنان والأردن وتونس والمغرب والجزائر وغيرها من البلدان العربية، التي قدّمت حينها طفرة مسرحية هائلة. وهذه الطفرة كانت نتاجاً لمسرحيات كانت تحترم الكلمة والجمهور، وحينها كان المسرح مرآة المجتمع؛ فبالتالي كان الجمهور حريصاً على الحضور إلى المسرح، وكانت العائلات تنتظر المواسم المسرحية الصيفية والشتوية لتقضي سهرات فنية ممتعة”.

تحديات متوقعة

وبسؤال الناقدة/ بشرى عمور عن التحديات المتوقعة لدعم صناعة المسرح العربي مستقبلاً، أجابت: “أولاً فيما يخص صناع العرض المسرحي، اختيار النصوص التي تمثل المجتمعات العربية؛ فهناك نصوص جيدة لكن لا يتم تسويقها بالشكل الأمثل لدى المخرجين، واستسهل الكثير منهم ظاهرة ”الدراماتورجيا“؛ فالنص المسرحي من وجهة نظري هو الأساس، ويليه الإخراج، أما فيما يخص القائمين على المسرح؛ متمثلين في وزارات الثقافة؛ فعلى هذه الوزارات النظر إلى المسرح بعين الاهتمام مثل اهتمامها بالسينما والموسيقى وغيرها من المجالات؛ لأن المسرح العربي حقه مهضوم من حيث قلة الدعم المالي والبنية التحتية الهشة للمسرح؛ فالدعم يأتى على مضض؛فعلى وزارات الثقافة العربية دعم الإنتاج المسرحي وبلورته بشكل مدروس، وهنا يأتي دور التعاون بين وزارات الثقافة العربية بفتح الآفاق بينهم، وأيضاً فتح الآفاق لهم عالمياً بحضور الأسابيع الثقافية المتداوَلة، وتبادل العروض المسرحية والمشاركة في المهرجانات العالمية والعربية مثل: المهرجان التجريبي، ومهرجان قرطاج للأيام المسرحية، والمهرجان العربي. وهذا ما نفتقده مؤخراً من وزارات الثقافة، من قلة الدعم المادي لسفر المسرحيين للمشاركة في المهرجانات الخارجية؛ فالفنان المسرحي يبدع عندما يتوفر لديه الدعم المادي”.
وأردفت عمور حديثها عن التحديات، بمطالبة وزارات الثقافة العربية بضرورة اختيار أقوى العروض المسرحية في كل بلد عربي، وتنظيم بروتوكولات تعاون وتبادل العروض بين الدول العربية وبعضها البعض.
أما المخرج/ السعيد منسي؛ فتحدث عن التحديات وقال: “رغم وجود عدد من المهرجانات، مسرحية عربية، إلا أنني أتمنى أن يكون لدينا المزيد من المهرجانات المسرحية التي تجمع العرب؛ فبالنظر إلى عدد المسرحيين العرب، أرى أن عدد المهرجانات العربية المسرحية قليل”.
واتفق المنسي مع الناقدة بشرى عمور فيما يخص اختيار أفضل العروض؛ حيث قال: “نحن بحاجة إلى وجود لجان مشاهدة عربية بشكل مستمر، تشاهد وتنتقي العروض المميزة من جميع أنحاء الوطن العربي؛ حيث سيعمل ذلك على تنمية الاستفادة المتبادَلة، إلى جانب ضرورة تواجد لجنة لدعم المواهب المسرحية العربية الشابة”.

التجارب الجديدة وكيفية جذب الجماهير الجديدة

يعد الابتكار والتجديد في المسرح، من العوامل المهمة لجذب الجماهير الجديدة، وتحفيزها على حضور عروض المسرح، بما يلبي تطلعاتهم واهتماماتهم الثقافية والفنية، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المسرح، في ظل التطور السريع والمتنامي للتقنيات السينمائية والتليفزيونية، وحتى لمواقع التواصل الاجتماعي وصناعة المحتوى. السؤال المهم: كيف يمكن تحقيق ذلك؟

وهنا كان رد الناقدة المسرحية/ حليمة مظفر التي قالت: “إن المسرح سيبقى المسرح، وعلاقته بالجمهور لا تتغير، إنما ضعف النصوص المسرحية من جهة، والهبوط به فنياً إلى ذائقة سطحية بغرض الربحية من جهة أخرى، حتماً لن يصنع ذلك جمهوراً له، إلا ما قل، وأعتقد أن المسرح العربي اليوم بحاجة إلى أن يتعامل المسرحيون معه بما يتناسب مع عناصر الثقافة والحياة الحديثة اليوم؛ فالجمهور يبحث عما يُشبع حواسه وفكره وشغفه وفضوله ويرتقي به، ومتى ما توفر هذا المسرح، سيتوفر له جمهور يرتبط به، وتزيد نسبة الإقبال على الشباك. وبرأيي، المنصات الرقمية لا تهدد إلا المسرح الهش في قيمته الفنية الإبداعية.. كما أن مسرح اليوم يجب أن يكون مسرحاً ذكياً كما عناصر الحياة التي يستخدمها الجمهور في حياته اليومية، وهذا ما نحتاجه في المسرح العربي كي يجذب إليه الجماهير، ولا أعني هنا أن يكون رقمياً؛ بل أن يكون ذكياً في استخداماته الرقمية”.
أما المخرج/ السعيد منسي أجاب: “الجمهور بعادته ينجذب إلى كل ما هو جديد ومختلف، سواء أكانت صورة مسرحية مختلفة، أو حالة مسرحية مغايرة وغير معتادة عما يراه؛ فالمسرح في تحدٍّ كبير للغاية في ظل تطور السينما ومنصات المشاهدة التليفزيونية. حتى تطوُّر مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح تحدياً كبيراً أمام المسرح؛ لأنها أصبحت تجذب الجمهور بشكل كبير، وهنا علينا نحن كمسرحيين إيجاد حلول ليصبح المسرح منافساً أمام كل هذه العناصر الأخرى، وقادراً على جذب المتلقي”.
وتابع حديثه قائلاً: “أهم ما يميز المسرح هو الإحساس الحي الذي يتلقاه المتلقي بشكل مباشر من الممثل، لكن في نفس الوقت، الجمهور يبحث عن كل ما هو جديد، ومن أجل ذلك، لا بد من الاهتمام والتطوير بالتقنيات المسرحية؛ فالمسرح دائماً بحاجة إلى استخدام التقنيات الجديدة، وكيفية الاستفادة بها لتطوير الصورة المسرحية، من أجل جذب المتلقي، وهذا يتطلب بنية تحتية مسرحية حديثة، ومواكبة للعصر في عدد كبير من الدول العربية”.
وبالإشارة إلى التجارب المسرحية الجديدة التي تجذب الجمهور، علّق المنسي: “يُعتبر تقديم القصص الدرامية الجديدة من أهم عناصر جذب الجمهور؛ فالفكرة كلها ترجع إلى كيفية تقديم النص المسرحي برؤية درامية متجددة؛ حتى ولو كان هذا النص قد تم تقديمه كثيراً من قبلُ، ودائماً يبحث المخرج المسرحي عن الدراما الجديدة التي لم يشاهدها الجمهور من قبلُ، وهذا ما جعلني أنا شخصياً أقرر اللجوء إلى الروايات الشهيرة وتحويلها إلى المسرح مثل روايات: العمى، ليلة سقوط لشبونة، أيام الإنسان السبعة لعبدالكريم قاسم، الحب في المنفى، نقطة النور للكاتب الكبير بهاء طاهر، والحب في زمن الكوليرا لماركيز، والتي لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً وفازت بجائزة المهرجان القومي للمسرح المصري”. وهنا شدد المنسي على ضرورة الاهتمام بالمؤلفين الشباب الجدد، وتسليط الضوء عليهم في جميع أنحاء الوطن العربي، وهناك بادرة أمل في هذا الصدد من خلال جائزة الشارقة للإبداع العربي، التي تشجع هذه الفئة الهامة، وتعمل على ضخ دماء جديدة في مجال الكتابة المسرحية. وأردف قائلاً: “يعاني المسرح العربي من ندرة الدراما الجيدة، ونحن بحاجة إلى نصوص مسرحية جديدة؛ فكنا في السابق نستعين بنصوص المسرح العالمي لتميُّزها الدرامي؛ حيث تهتم أكثر بالواقع الإنساني، على عكس النصوص المسرحية العربية، التي كانت تميل إلى الجانب السياسي بشكل كبير”.

واتفقت الأستاذة حليمة مظفر مع المنسي؛ حيث قالت: “لكي يواجه المسرح العربي تحديات المنصات الرقمية وصناعة المحتوى على الإنترنت، علينا صناعة نصوص للمسرح مبتكرة في فكرتها، مشوّقة في أدائها وإخراجها، ومحاكية لذكاء الجمهور اليوم، لا أن تكون أقل من مستوى معرفته أو ذكائه، ثم نقول: لماذا لا تُقبل الجماهير على المسرح!”.
وأضافت الأستاذة بشرى عمور في هذا الصدد: “لكي نجذب الجماهير الجديدة والعائلات إلى المسارح مرة أخرى؛ فعلى أهل المسرح الاهتمام بالقضايا التي تمس الجمهور، بتقديم معالجة مسرحية مبتكرة، والابتعاد عن الابتذال في الكوميديا والإيحاءات التى يندى لها الجبين وما أطلق عليه المسرح الاستهلاكي، بالإضافة إلى التوازن بين تقديم المسرحيات التراجيدية والكوميدية؛ لأن الجمهور في الأساس يبحث عن المنافذ التي تروّح عن نفسه وتُنسيه همومه ومشاكله في حياته اليومية”.

عوامل تأثير مستقبل المسرح في العالم العربي

ما خلصنا إليه في هذا التحقيق، واتفق فيه بشكل كبير ضيوفنا في السطور السابقة، أنه تتعدد العوامل التي يمكن أن تؤثر في مستقبل المسرح في العالم العربي، وهي كالآتي:

• أول هذه العوامل بالطبع “التكنولوجيا” وتطور العروض المسرحية، أحد العوامل الرئيسية التي ستشكل المسرح العربي المستقبلي؛ فستوفر التقنيات المتطورة فرصاً جديدة للابتكار والتخيل على المسرح، مثل: الرسوم المتحركة، والعروض التفاعلية، والتجارب الافتراضية.
• ستلعب التحولات الاجتماعية والثقافية دوراً هاماً في تشكيل مستقبل المسرح العربي؛ حيث تغيرت عادات واهتمامات الجمهور في العالم العربي، وقد يؤدي ذلك إلى ظهور أنماط مسرحية جديدة ونصوص مسرحية مبتكرة، تعكس تطور المجتمع وتطلعاته.
• لا غنى عن دعم الحكومات والجهات المانحة لصناعة المسرح في المستقبل؛ حيث تتطلب عروض المسرح الحديثة تكاليف عالية للإنتاج والترويج، ولذا يجب توفير تمويل ودعم مناسب؛ للحفاظ على تنوُّع وجودة العروض المسرحية في العالم العربي.
• على صناع المسرح العربي الاهتمام بجذب الشباب والجماهير الجديدة، من خلال تجارب مسرحية أكثر تفاعلاً، ولذلك يجب تقديم عروض جريئة ومشوّقة تستخدم تقنيات مبتكرة وأساليب جديدة في الأداء.

ختاماً

في هذا التحقيق الذي تبدَّل خلاله منظارُنا بين ماضي المسرح العربي العريق وآمال الغد المترقبة، نخلص إلى أن الفن الرابع لايزال ينبض بالحياة في قلب النسيج الثقافي العربي. إذ على الرغم من اقتحام التكنولوجيا بكل ثقلها، وتغيّر المشهد الثقافي، إلّا أن سحر المسرح يظل فريداً في قدرته على احتضان الروح الإنسانية، وتوصيل الرسائل بعمق يفوق بريق الشاشات.

إن المسرح العربي، بجذوره الضاربة في التاريخ وبأشكاله المتجددة، مدعوّ ليس فقط للصمود في وجه الرياح العاتية، ولكن للارتقاء واستلهام الفرص التي تخلقها التغيّرات المحيطة به. فالمسرح في جوهره ديالوج بين الإنسان وأخيه الإنسان، قائم على التفاعل المباشر والأحاسيس المتقاسمة التي لا يمكن للواقع الافتراضي أن يحتذيها بكليتها.

الحوار الذي انطلق من مسيرة مشتركة مع الناقدة حليمة مظفر، المخرج السعيد منسي والناقدة بشرى عمور، وغيرهم من أهل المسرح العربي، يفتح أمامنا آفاقاً من الأمل والإبداع. إنّ مصير المسرح في أوطاننا، كما تكشف لنا التجارب والمقابلات المستفيضة، يرتكز على إرادة صنّاعه وعشاقه، الذين لم ولن يدخروا جُهداً في سبيل إثراء هذا الميدان بكل ما هو نابض بالحياة ومتجدّد.

في اليوم العالمي للمسرح، نجدد التأكيد على أن المسرح العربي لايزال قلباً نابضاً بالحياة، يضخ في أوصال مجتمعاتنا حيوية الفكر وجرأة الحوار. بين تقنيات العصر وأصالة الماضي، يقف المسرح العربي شامخاً، مدركاً لضرورة التكيّف والتطوير، وساعياً دوماً ليس فقط للبقاء؛ بل للتألق وإضاءة شمعة الأمل في غدٍ أفضل. فمهما تغيّرت الأزمان وتبدلت الأحوال؛ فإن المسرح سيظل منبراً للحرية ورمزاً للإبداع، يجسّر الفجوات، ويمتزج بذائقة الجماهير، ويروي عطش الأرواح الباحثة عن التنوير والجمال.

نختتم بهذه الكلمات، متطلعين إلى مستقبلٍ يرفرف فيه علم المسرح العربي عالياً، ينير دروب الثقافة ويمهد أفقاً واسعاً للأجيال القادمة؛ فالفن يبقى، والمسرح يتجدد، والأمل في غدٍ مشرق لا يموت.
تابعوا المزيد: ما هي الفنون الأدائية؟