بين مغترب ومعتقل وشهيد.. هكذا يقضي السوريون رمضان | سياسة

شمال سوريا- تنهمك المسنة السورية سعاد المحمد في تحضير بضعة أطباق من سفرة إفطار رمضان قبيل ساعة من آذان المغرب داخل منزلها المتواضع في مدينة حلب شمال غربي سوريا، قبل أن تتلقى اتصالا جماعيا من أولادها الثلاثة المهاجرين إلى تركيا وأوروبا منذ عدة سنوات.

ويبث الاتصال بين أفراد الأسرة المتفرقة مشاعر الحنين والألفة التي يفتقدونها مع حلول شهر رمضان الذي طالما شكل طقسا روحانيا محببا يجمعهم على المائدة، وفترة ما بعد الإفطار، من مواظبة على تجاذب أطراف الحديث وأداء الشعائر الدينية.

- يفتقد اللاجئون السوريون حول العالم إلى طقوس رمضان في بلادهم
أسواق غازي عنتاب تنشط خلال رمضان في بيع المشروبات السورية مثل عرق السوس والتمر الهندي (الجزيرة)

غياب موحش

وتخبر الأم أولادها، وهي تغالب البكاء، كيف يبدو المنزل موحشا في غيابهم، بعد أن اعتادت وجود حتى المتزوجين منهم إلى جانبها في أول أيام الشهر الكريم، قبل أن تذكر لهم كيف عمقت الأزمات الاقتصادية آلام السوريين المكلومين بفقدان الأحبة والأهل.

ومع تحول الحراك في سوريا إلى صراع مسلح، هاجر أفراد أسرة المحمد -مثل ملايين السوريين- في موجة هجرة كبرى شهدها عامي 2013 و2014 نحو تركيا وأوروبا، واستمرت هذه الموجات بوتيرة أخف لاحقا، لتصبح الأُسر السورية تعيش حالة من الشتات.

ويجد أكثر من 6.5 ملايين لاجئ سوري، يتوزعون في 130 دولة حول العالم، أنفسهم في مواجهة العزلة، بعد 13 عاما على الثورة ضد حكم الرئيس بشار الأسد، في وقت يستحضرون فيه ذكريات رمضان عبر اتصالات الفيديو ورسائل التهنئة فيما بينهم.

- تتميز أسواق رمضان في سوريا بخصوصية تختلف عن باقي أشهر السنة
أكثر من 6.5 ملايين لاجئ سوري يتوزعون في 130 دولة حول العالم (الجزيرة)

فرحة منقوصة

وأسهمت طقوس رمضان في تركيا في تخفيف الغربة على اللاجئ السوري زيد رحال، المقيم في مدينة غازي عنتاب جنوبي سوريا، ويشير إلى أن أجواء رمضان في المدينة التركية متقاربة -إلى حد كبير- في مدينته إدلب.

ويروي رحال للجزيرة نت كيف تنشط أسواق غازي عنتاب خلال الشهر الفضيل في بيع المشروبات الرمضانية مثل عرق السوس والتمر الهندي، فضلا عن الحلويات والمعجنات (المعروك) الذي يسميه الأتراك “كعكة حلب”، إشارة إلى مصدره الأساسي.

ورغم ذلك، فلا يخفي رحال مشاعر الشوق والحنين إلى إخوته الذين تفرقوا ما بين سوريا وتركيا وألمانيا، مؤكدا أنهم لم يتجمعوا على سفرة رمضان منذ أكثر من 10 سنوات، ويأمل أن يلتئم شمل أسرته المتفرقة يوما ما.

ويقول رحال إن شهر رمضان بات مناسبة فرح منقوص في ظل غياب الأحباب عن مائدة الإفطار، إذ لا تطفئ الاتصالات والمعايدات لهيب الشوق والحنين إلى الاجتماع في مكان واحد بمنزل الأسرة.

مخاوف وحنين

وفي مدينة مالمو السويدية، يجتهد اللاجئ السوري عمر السيد في البحث عن فوانيس رمضان لإضفاء قليل من مظاهر رمضان على غرفة منزله، وسط حالة انعدام مظاهر الشهر في مكان سكنه، في محاولة منه لاستعادة الذكريات في بلده.

ويؤكد السيد للجزيرة نت أنه لم يلتق أمه المقيمة في مدينة حلب منذ 9 سنوات بسبب ظروف الحرب والهجرة، مشيرا إلى أنه حاول الاجتماع بها في تركيا عدة مرات، ولكنه لم يوفق في ذلك بسبب عدم حصول والدته على تأشيرة دخول.

ويعرب السيد عن مخاوفه بألا يلتقي أمه يوما بعد أن أصبح الأمر شبه مستحيل، ويشكل حلول شهر رمضان مناسبة تتخللها مشاعر مختلطة من الفرح والحزن له ولأسرته، كما يصفها.

وفي شمال سوريا، لا يخلو منزل من مغترب أو معتقل أو شهيد غيبته الحرب عن حضور سفرة رمضان وترك مكانه خاليا، إذ يستقبل السوريون المنتشرون حول العالم الشهر الكريم ولسان حالهم يقول: “رمضان عاد، فمن يعيد لنا الأحباب؟”.

 


Source link

عن عبد الله

المؤسس و الرئيس التنفيذي لموقع الجزائر 48

شاهد أيضاً

57 بندا بإعلان الدوحة لبناء تكتل اقتصادي وسياسي عربي آسيوي | سياسة

مراسلو الجزيرة نت الدوحةـ اختتمت في الدوحة مساء الثلاثاء الدورة الثالثة لمنتدى الاقتصاد والتعاون العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *