الأكاديمي سامي أيوب: العثمانيون تبنوا تعددية فقهية ودينية والشريعة مشروعية أخلاقية للقانون الحديث | ثقافة

لا يمكن اعتبار دراسة تاريخ الفقه الإسلامي المتأخر وتحولاته مجردَ دراسة فقهية عادية، بل يجب أن تتناول العلاقة بين الفقه وأجهزة الدولة بنظرة تاريخية تفاعلية، مدركة لتأثير السياقات وتغير معاني المفاهيم في الزمن الحاضر.

وعلى هذا الأساس قام الأكاديمي والباحث سامي أيوب، أستاذ قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة تكساس أوستن بسبرِ أغوار علاقة المذهب الحنفي في تجلياته المتأخرة بأكبر سلطنة عرفها التاريخ الإسلامي الحديث، وناقش الدور التشريعي الذي نهض به السلاطين العثمانيون، وبدت آثارُهُ جليَّةً في كتب الفروع الفقهية التي صنَّفها متأخرو الحنفية، وكيف نظر الفقهاء إلى القوانين والأوامر السلطانية وكيف أثر ذلك في مسائل التشريع والاجتهاد الفقهي.

انتهج الدكتور سامي أيوب منهجًا تاريخيًّا قائمًا على حُجية الوثيقة، والإدراك الموضوعي لطبيعة الفقه الحنفي من جهة وطبيعة مفاهيم السلطة سواء الحداثية أو ما قبل الحداثية من جهة أخرى، من أجل رسمِ خريطة لأدوار بين السلطان والفقيه والقاضي وبين قصر السلطان والمحاكم الشرعية وتطلعات الرعية سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين؛ ولأجل فهم ذلك أكثر تستضيف الجزيرة نت الدكتور سامي أيوب صاحب كتاب “الفقه والدولة والسلطان: الدولة العثمانية وصناعة الفقه الإسلامي” الصادر عن جامعة أوكسفورد عام 2020، الذي ترجمه إلى العربية مركز نهوض للدراسات والبحوث عام 2023، فإلى الحوار:

غلاف الكاتب
كتاب “الفقه والدولة والسلطان: الدولة العثمانية وصناعة الفقه الإسلامي” صدر عن جامعة أوكسفورد عام 2020 (الجزيرة)
  • ما الذي دفعك إلى كتابة هذا الكتاب القيِّم خاصة أنَّ العديد اشتغلَ بعلاقة الحنفية المتأخرة بالسلطنة العثمانية؟

قادتني إلى كتابة الكتاب، أمور عديدة أولها اهتمامي بالفقه الحنفي الذي بدأ بولعي بزين الدين بن نجيم الحنفي المصري (ت 970هـ) الذي درسنا أعماله في الأزهر؛ وكانت كتابته بوابتنا على الفقه الحنفي وأصوله وأحكامه؛ وعليه كتبتُ الكتاب من خلال خلفيتي بالفقه الحنفي التي درستها في الأزهر، والمسألة الثانية متمثلة باهتمامي بتاريخ السلطنة العثمانية، وقد وجدت فيما أقرؤه من أعمال للفقهاء الحنفية المتأخرين إحالات على الأوامر السلطانية العثمانية، وهو ما قادني إلى بحث محددات العلاقة بين الفقهاء المسلمين والدولة، الذين تعاملوا بالضرورة مع السلطة السياسية القائمة؛ والمتمثلة في السلطة العثمانية.

وجدت فيما أقرؤه من أعمال للفقهاء الحنفية المتأخرين إحالات على الأوامر السلطانية العثمانية، وهو ما قادني إلى بحث محددات العلاقة بين الفقهاء المسلمين والدولة، الذين تعاملوا بالضرورة مع السلطة السياسية القائمة؛ والمتمثلة في السلطة العثمانية

أما الفترة التي يسلطُ الكتاب الضوء عليها فهي الحقبة العثمانية من القرن الـ16 حتى نهايات القرن الـ19؛ حيث ركزت على هذه الحقبة بالذات لأن معظم الكتابات التي كُتبت حول السلطة العثمانية ودورها في حكم الإيالات العربية تتبنى سردية قومية تقول بأن العثمانيين كانوا محتلين مثلهم مثل الإنجليز والفرنسيين، إلا أن هذه السردية لم تطفُ على السطح قبل نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في سياق انتشار زخم الأيديولوجية القومية.

كان يتمُ اعتبارُ العثمانيين حكامًا مسلمين على الأراضي الإسلامية مما أعطى سلطتهم شرعية سياسية في الحكم، هذا أمر لا يتنافى مع وجود انتقادات مرتبطة بطريقة حكمِ العثمانيين ولكن هذا لا ينفي وجود فهمٍ جمعي بأن السلطة العثمانية كانت تمثل السلطة السياسية الشرعية التي ادّعت أنها امتداد للنظم السياسية الإسلامية التاريخية

كان يتمُ اعتبارُ العثمانيين حكامًا مسلمين على الأراضي الإسلامية مما أعطى سلطتهم شرعية سياسية في الحكم، هذا أمر لا يتنافى مع وجود انتقادات مرتبطة بطريقة حكمِ العثمانيين ولكن هذا لا ينفي وجود فهمٍ جمعي بأن السلطة العثمانية كانت تمثل السلطة السياسية الشرعية التي ادّعت أنها امتداد للنظم السياسية الإسلامية التاريخية، وحسبَ ما أدعيه في الكتاب فإن للعثمانيين الفضل في التشكل المتأخر للمذهب الحنفي، وأردتُ من خلال تركيزي على الحنفية الموجودين سواء في مصر أو الشام أو بقية أقطار السلطنة العثمانية أن أوضح أن الفقه الحنفي في السلطنة العثمانية بشكلٍ عام تبنى موقفًا موحدًا فيما يخص السلطة السياسية القائمة وهو اعتبار حجية الأوامر والفرمانات السلطانية في التقليد الفقهي.

للعثمانيين الفضل في التشكل المتأخر للمذهب الحنفي

  • ناقشت في الكتاب مسألة قبول الفرمانات والأوامر السلطانية بشكل مطرد في المتون والشروح الفقهية الحنفية من القرن الـ16 حتى نهايات القرن الـ19، هل هذا هو ما صنع ما سمّيته حُجيّة الأوامر السلطانية العثمانية في مذهب الحنفية؟ وكيف أثرت تلك الأوامر في المذهب الحنفي؟

سؤال ممتاز، بالنسبة لمسألة حجية الفرمانات، هناك الكثير من الدراسات التي تمَّ تأليفها حول الموضوع في التاريخ الاجتماعي والثقافي والقانوني للسلطنة العثمانية، ولكن ما أسهمت فيه يتمثلُ في إبراز دور الفرمانات والأوامر الشاهانية في التشكل الفقهي الحنفي المتأخر في السلطنة العثمانية من خلال تتبع المتون والشروح والفتاوى والرسائل الفقهية في تلك الفترة.

ثانيًا، أردتُ التنبيهَ في الجزء الأول من الكتاب إلى أني أردتُ مناقشة بعض الآراء الموجودة والمتعلقة بالدولة والسلطة السياسية في تاريخ المسلمين؛ مثلَ مجادلتي لوائل حلاق الذي رأى في كُتُبِهِ أن السلطة السياسية كانت مستقلة تمامًا عن السلطة الفقهية وأنهما سلطتان مستقلتان، وهو طرحٌ حسب ما تم تبيينه في كتابي صحيح جزئيًّا ولكن هناك ضرورة لفهم أن الإطار الفقهي والقضائي الإسلامي متعلقٌ وقائمٌ بالضرورة على سلطة سياسية قائمة، تدافعُ عنه وتنظمه وتصلحه؛ وعليه فإن النظام الفقهي والقضائي في أي نظام كان سواء حديثًا أو قديمًا بالضرورة قائم على سلطة سياسية تدافع وتنافحُ عنه.

اندثار المذاهب الفقهية خلال القرن الـ19 الميلادي، كانَ مرتبطًا أساسًا بغياب سلطة سياسية تدافع عنها، أو في ظل أنظمة سياسية تحاربها أو تسعى لتبني نظم قانونية أوروبية كالسعي وراء سياسات التقنين مثلًا

أما الجزء الثاني من الكتاب فهو متعلقٌ باندثار المذاهب الفقهية خلال القرن الـ19 الميلادي، الذي كانَ مرتبطًا أساسًا بغياب سلطة سياسية تدافع عنها، أو في ظل أنظمة سياسية تحاربها أو تسعى لتبني نظم قانونية أوروبية كالسعي وراء سياسات التقنين مثلًا، لنجد أنَّ المسألة ليست بالضرورة متعلقة بـ”غلق باب الاجتهاد” والركون إلى “التقليد”، ورغمَ أن هذا الطرح بحد ذاته صحيح جزئيًّا فإنّ المحدد النهائي هو وجود نظم سياسية قائمة تُدافعُ عن تمثلٍ معينٍ للفقه وتحدثُ لهُ مكانا في مؤسساتها القائمة في الدولة مثل اعتماد الدولة العثمانية لنظامِ “القضاء الشرعي”؛ وعليه سعيتُ في الكتاب إلى تفنيد الفكرة الرامية إلى أنَّ السلطة السياسية ليس لها علاقة بالفقه الإسلامي عامة والفقه الحنفي المتأخر خاصة، وأكدتُ مدى حاجة الفقه الحنفي إلى وجود سلطة سياسية لبقائه.

الفقهاء الأحناف المتأخرين سواء في الأناضول أو في الإيالات العربية انتقدوا بعض الأوامر السلطانية كما حدث في مسائل مثل “منع سفر المزارعين من أراضيهم” و”توسيع إرادة القاضي العثماني في مسألة الأوقاف” وغيرها من المسائل التي عارض فيها الفقهاء الأحناف السلطنة العثمانية، لكن هذا لا ينفي إجماع الفقهاء على اتفاقهم على أهمية السلطة السياسية في تشكيل الفقه الحنفي المتأخر خاصة فيما يتعلق بالسياسات العامة

والأمر الثالث متمثل بأن الفقهاء المسلمين في السلطنة العثمانية أثبتوا أنه لا مجال لامتلاك فقهٍ فعال داخل المجتمع العثماني بعيدا عن السلطة السياسية، إلا بالتفاعل سواء إيجابًا أو سلبًا معها، وتجد أنهم يؤلفون حول هذه “الفرمانات والأوامر السلطانية” ويقبلونها في كتاباتهم، وهذا لا يتنافى مع ما ذكرته في الكتاب من أن الفقهاء الأحناف المتأخرين سواء في الأناضول أو في الإيالات العربية انتقدوا بعض الأوامر السلطانية كما حدث في مسائل مثل “منع سفر المزارعين من أراضيهم” و”توسيع إرادة القاضي العثماني في مسألة الأوقاف” وغيرها من المسائل التي عارض فيها الفقهاء الأحناف السلطنة العثمانية، لكن هذا لا ينفي إجماع الفقهاء على اتفاقهم على أهمية السلطة السياسية في تشكيل الفقه الحنفي المتأخر خاصة فيما يتعلق بالسياسات العامة.

  • هل كان الفقيه مستقلًّا عن السلطة الحاكمة أم كان مقيدًا بأيديولوجية “الدولة”، أم أن استقلاليته كانت محدودة؟

سؤال ممتاز، وهو مرتبط بنقاشات نظرية بمدى استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية في سياق الدولة الحديثة مقارنة بدول ما قبل الاستقلال، وهنا يهمني أن أشير إلى أمرين؛ أولا: أن مسألة الاستقلال أو عدمها تحتاج إلى أن يتم نقدها على غرار ما بناهُ وائل حلاق في كتابه “الدولة المستحيلة” حينما ذهبَ إلى أن الأنظمة السياسية في الدولة القومية لا تعرف شيئًا اسمه “الاستقلالية” وإنما توجد استقلالية وظيفية مؤسسية كما هو الحاصل في الأنظمة السياسية المعاصرة التي نشهدها اليوم (فصل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية)؛ وعليه فإن هذه السلطات بالضرورة هي جزء لا يتجزأ من الدولة وأدوارها السياسية؛ فإن السلطة التشريعية لا تتمتع بالاستقلالية “المتخيلة”، وبالنسبة للسلطة القضائية يكفي أن نشير إلى أن القضاة يدرسون في كليات الحقوق التابعة لجهاز الدولة، ومن خلالها يتعلمون معنى “الحق” و”الواجب”، كما أنَّ أمرَ تعيينهم يأتي من الدولة، وينفذون ويدافعون عن قانون الدولة، والسلطة التنفيذية تنظم المجتمع وتنفذ القانون من خلال التناغم بين تلك السلطات؛ وعليه فإن فكرة استقلالية تلك السلطات التي تطرح نظريا بأنها قطيعة مع دولة ما قبل الحداثة تحتاجُ إلى تفنيدٍ تام.

هناك مدارس فقهية قائمة في مختلف ربوع السلطنة العثمانية (مثل المذاهب الأربعة)، لكن العثمانيين انتهجوا عرفًا إداريًّا مفادُه أن “قاضي القضاة”، يكونُ حنفيًّا ليحكمَ بمذهبِ السلطان، لكنه جعل نُوّاب الشرع الشريف (القضاة في المناطق المختلفة من السلطنة) على بقية المذاهب الفقهية في القضاء الشرعي

وعودة إلى الحقبة العثمانية، فإننا نجدُ شيئًا مماثلًا لما ذكرت؛ هناك مدارس فقهية قائمة في مختلف ربوع السلطنة العثمانية (مثل المذاهب الأربعة)، لكن العثمانيين انتهجوا عرفًا إداريًّا مفادُه أن “قاضي القضاة”، يكونُ حنفيًّا ليحكمَ بمذهبِ السلطان، لكنه جعل نُوّاب الشرع الشريف (القضاة في المناطق المختلفة من السلطنة) على بقية المذاهب الفقهية في القضاء الشرعي؛ وعليه فإن السلطة القضائية هي امتداد لسياسات السلطة السياسية وأولوياتها ومسألة “الاستقلال” لم تكن ضمن تصورهم الفكري، بالنظرِ للسياق السياسي والثقافي السائد حينها. ولا بد أن نوضح أن القضاء الشرعي كان ضمن نظام قضائي أكبر داخل المنظومة العثمانية والذي ضمن تعددية قضائية وقانونية غير متصورة أصلا في سياق الدولة القومية.

والمهم أنه لا أحد قبل نهاية القرن الـ19 نظر إلى القاضي الشرعي باعتباره مجتهدًا له صلاحيات الاجتهاد داخل إطار القضاء! بل نُظِرَ إليه على أنه فقيهٌ مرَّ من مسار إداري وعملي معين مثل نيله لإجازات من شيوخه وإجادته للفقه الحنفي وتدريبه لفترة كمدرس أو مساعد قاضٍ، وذلك قبل تعيينه بخطابٍ من الدولة العثمانية، ليلتزمَ بالرأي الراجحِ في مذهبه؛ وعليه يلزمُ القاضي الالتزام وتطبيق الأحكام العامة المتَّسقة مع قوانين الدولة العثمانية على غرار كل من عُيِّنَ مثله، دون استحضارٍ لـ”الاجتهاد الفقهي”، لأنه ليس مقامه. وعليه يُرْفَضُ أن يَجْتَهِدَ القاضي من محضِ فكره؛ لأن القاضي وكيل عن السلطان لا عن مذهبه وملزم بالمفتَى به في مذهبه، وإذا لم يفعل يفسرُ ذلك بأنه خروج على النظام وعلى الآداب القضائية.

القاضي الشرعي يطبقُ الرأي الراجحَ في مذهبه دون اجتهاد؛ فالفتوى والاجتهاد والاختلاف ليست من مهامِّ القاضي بل هي من مهامِّ الفقيه؛ فالقضاء الشرعي مكانٌ تنالُ فيه الناسُ حقوقها، وعادة ما يمتلكُ العامة فهمًا عامًّا حولَ المسائل الفقهية التي تنظمُ معاملاتهم الحياتية، لذا فإنهم حينما يتوجهون للقاضي لا يريدون الاجتهادَ بقدرِ ما يسعونَ لأخذَ حقوقهم انطلاقًا من أمور معيارية ثابتة

ويمكنُ اعتبار أنَّ لهذا المسلك أصلًا في المنظومة الإسلامية التي ترى أنَّ القاضي الشرعي يطبقُ الرأي الراجحَ في مذهبه دون اجتهاد؛ فالفتوى والاجتهاد والاختلاف ليست من مهامِّ القاضي بل هي من مهامِّ الفقيه؛ فالقضاء الشرعي مكانٌ تنالُ فيه الناسُ حقوقها، وعادة ما يمتلكُ العامة فهمًا عامًّا حولَ المسائل الفقهية التي تنظمُ معاملاتهم الحياتية، لذا فإنهم حينما يتوجهون للقاضي لا يريدون الاجتهادَ بقدرِ ما يسعونَ لأخذَ حقوقهم انطلاقًا من أمور معيارية ثابتة، وعليه فإن مقصد الناس بتوجههم للقضاء متمثلٌ بـ”الثبات”، والاجتهاد وجه من وجوه “التغيير”؛ وعليه فالقاضي يلتزمُ بالراجح في مذهبه ويقضي به إلا إذا صدرت أوامر سلطانية جديدة يلزم اتباعُها.

وبالتالي يمكن أن نخلصَ إلى أن المسألة ليست مرتبطة بـ”الاستقلال” بقدرِ ما أنها مرتبطة بالمنهج الذي يقوم عليه النظام السياسي والنظام القضائي المرتبط به، فالسلطنة العثمانية مثلًا كانت تلتزمُ بالعرف العثماني بجعلِ منصب قاضي القضاة مختصا بالحنفية لكنها جعلت نُوّاب الشرع الشريف (القضاة في المناطق المختلفة من السلطنة) على بقية المذاهب الفقهية في القضاء الشرعي؛ حيث كان القاضي العثماني يقضي في صعيدِ مصر مثلًا بالمذهب المالكي، أما في منطقة الدلتا في مصر فكان يقضي بالمذهب الشافعي، في حين كان الحنفية في القاهرة والإسكندرية، وعليه كانَ هناك فهمٌ راسخ لدى العامة والقضاة لطبيعة النظام الذي يديرُ تفاعل جهاز القضاء مع سلطة الدولة.

  • ما دور مجلة الأحكام العدلية في عملية تقنين الشريعة؟ وكيف استقبلها الفقهاء العثمانيون؟

المجلة تم إصدارها في نهايات القرن الـ19 وفي سياق ضعف الدولة العثمانية واتجاهها نحو إصلاحات إدارية وقانونية وقضائية شاملة، وجاءت بعد أن تحولت العديد من الولايات العثمانية إلى مستعمرات إنجليزية أو فرنسية.

مسألة التقنين بحد ذاتها مرتبطة بالنظام السياسي؛ حيث إن تطبيق الأحكام الشرعية يتطلبُ إيجاد نظام قضائي منشأ يعملُ فيه القاضي الشرعي. وعلى أية حال فإن الفكرة وراء مجلة الأحكام العدلية هي أن تكونَ متاحة لجميع القضاة في السلطنة بمن فيهم من لم يدرس الشريعة الإسلامية ليتم الاعتماد عليها في المسائل المراد التحكيمُ فيها داخل المحاكم النظامية الجديدة التي أنشأها العثمانيون

كما أنها أخذت عشر سنواتٍ من العمل لكي يتم إنتاجها وهي متأثرة من حيث الشكل بالقانون المدني الفرنسي، إلا أنني أشيرُ في كتابي إلى أنه لا ينبغي النظر إلى مجلة الأحكام العدلية واختزالها في أنها نتاج لتأثير الأنظمة القانونية الأوروبية، بل يجبُ النظرُ كذلك إلى أن من أسهم في إخراجها أصرَّ على أنها استلهام لأحكام الفقه الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالقواعد الفقهية في الفقه الحنفي؛ حيث نجدُ مثلًا أن أول مئة مادة من مجلة الأحكام العدلية هي حرفيًّا أول مئة مادة من القواعد الفقهية الحنفية عند زين الدين بن نجيم الحنفي المصري (ت 970هـ) في كتابهِ “الأشباه والنظائر”، ومن قاموا على مشروع المجلة أثبتوا أنهم اعتمدوا على هذه القواعد الفقهية فيما تمَّ تقنينه في مجلة الأحكام العدلية، إلا أنّ مسألة التقنين بحد ذاتها مرتبطة بالنظام السياسي؛ حيث إن تطبيق الأحكام الشرعية يتطلبُ إيجاد نظام قضائي منشأ يعملُ فيه القاضي الشرعي.

وعلى أية حال فإن الفكرة وراء مجلة الأحكام العدلية هي أن تكونَ متاحة لجميع القضاة في السلطنة بمن فيهم من لم يدرس الشريعة الإسلامية ليتم الاعتماد عليها في المسائل المراد التحكيمُ فيها داخل المحاكم النظامية الجديدة التي أنشأها العثمانيون.

وهنا وجب التنبيه إلى أنَّ مجلة الأحكام العدلية مرتبطة أساسًا بالمسائل التجارية، التي تعتمدُ عادة على “العرف” بين التجار، حيث كان هناك قبول عام بأنّ مسائل التجارة قائمة على الأعراف المحلية من جهة والتراضي والتفاهم من جهة ثانية.

والأمر الذي ناقشته بخصوص مجلة الأحكام العدلية بشكلٍ عام متمثلٌ بكونها منتجًا جديدًا في التاريخ الفقهي. وقد أراد العثمانيون لمجلة الأحكام العدلية أن تصلَ إلى العالمية بفعلِ نهجهم مسلكَ التقنين وتطبيقها داخل المحاكم الجديدة مع استمرار اتصالها بالفقه الإسلامي، حتى يصبحَ بإمكان أي شخص حتى وإن لم يكن مسلمًا أو عثمانيًّا داخل أراضي الخلافة العثمانية أن تطبقَ عليه أحكام مجلة الأحكام العدلية وخاصة في المسائل التجارية، وخاصة أنّ معظم الأجانب كانوا يشتكون من عدم قدرتهم على الذهاب إلى القاضي في المحاكم الشرعية بسبب عدم قبول شهادتهم ضد خصومهم، لتأتي مجلة الأحكام العدلية وتحلَّ هذه الأمور داخل المحاكم النظامية حيث أمسى لكل الناس الحق في الترافع، وخاصة أن مجلة الأحكام العدلية أسقطت شرط الإسلام لقبولِ الشهادة، هذا الجهد جعلَ تلك الأحكام ذات طابع عالمي إذ يمكنُ تطبيقها على الجميع.

معظم الأجانب كانوا يشتكون من عدم قدرتهم على الذهاب إلى القاضي في المحاكم الشرعية بسبب عدم قبول شهادتهم ضد خصومهم، لتأتي مجلة الأحكام العدلية وتحلَّ هذه الأمور داخل المحاكم النظامية حيث أمسى لكل الناس الحق في الترافع، وخاصة أن مجلة الأحكام العدلية أسقطت شرط الإسلام لقبولِ الشهادة، هذا الجهد جعلَ تلك الأحكام ذات طابع عالمي إذ يمكنُ تطبيقها على الجميع.

الأمر الآخر تم استقبال مجلة الأحكام العدلية بحفاوة من قِبَلِ المحامين والقضاة وشيوخ الإسلام؛ حيث اعتبروها منتجا جديدا اعتمد على الفقه الحنفي المتأخر، والنقطة الأخرى هي أن تراث مجلة الأحكام العدلية لا يزال قائمًا إلى اليوم عند كل الدول التي كانت تنتمي للسلطنة العثمانية ولم تلغ المحاكم الشرعية؛ حيث إنَّ صدى مجلة الأحكام العدلية حاضر في كلٍّ من تكوينِ وامتحانِ وممارسة القاضي الشرعي سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين أو العراق حتى في المحاكم الشرعية داخل “دولة الاحتلال”؛ وعليه تحولت مجلة الأحكام العدلية إلى منجز فقهي معياري مهمٍّ لفهم المحاكم الشرعية؛ لذا يمكنُ القول دون تردد بأن مجلة الأحكام العدلية لا تتعلقُ فقط بتقنين الأحكام الفقهية عند المدرسة الحنفية بل إنها غيرت الشكل المرتبط بإدارة المحاكم النظامية والشرعية، ورغم عدم تبني مصر لمجلة الأحكام العدلية فإنهم أنتجوا صيغة مصرية لمضمون المجلة من خلال ما أنتجهُ محمد قدري باشا وزير الحقانية في كتابه “الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية”.

النزعة القائمة على رفض أي تنوع فقهي داخل إطار الدولة والقضاء في مصر منذ أوائل القرن العشرين، هي إفراز لمرحلة الاستقلال السياسي ونتيجة لاختيارات النخبة القانونية الفقهية التي تكونت في فترة الاحتلال الإنجليزي والتي تأثرت بفلسفة القانون المدني في المناقشات الأوروبية خاصة حول دور الدين والدولة في المجتمع وأخيرا

  • كيف أثر اختلاف المذاهب داخل نسيج الدولة العثمانية في عملية التشريع؟ وكيف أثر توحيد المذاهب في الحالة المصرية؟

شكرًا على هذا السؤال المهم، بشكل عام، هذه النزعة القائمة على رفض أي تنوع فقهي داخل إطار الدولة والقضاء في مصر منذ أوائل القرن العشرين، هي إفراز لمرحلة الاستقلال السياسي ونتيجة لاختيارات النخبة القانونية الفقهية التي تكونت في فترة الاحتلال الإنجليزي والتي تأثرت بفلسفة القانون المدني في المناقشات الأوروبية خاصة حول دور الدين والدولة في المجتمع وأخيرا فإن هذه النزعة أيضا كانت طريقة لمجابهة تغول الامتيازات الأجنبية داخل السلطنة العثمانية، ومصر بالتحديد كانت من الدول التي كتبت بشكلٍ مكثف حولَ هذه المسألة.

وتاريخيًّا أعطى العثمانيون امتيازات لغير المسلمين بسبب التزاماتهم تجاه غير المسلمين والأجانب الذين أتوا بشكل مطرد في منتصف القرن التاسع عشر، ففي تلك الحقبة زاد عدد الأجانب الذين توافدوا إلى مصر مثلا بشكلٍ كبير جدا، ونظرًا إلى وجود معاهدات تم جعلُ هذه المسائل من اختصاص قنصليات بلدانهم خاصة ما يتعلقُ بالأحوال الشخصية، وتم مدُّها لتشملَ المسائل الجنائية؛ حيث أصبح للقنصل دورٌ قضائي في حدوث أي تجاوزات جنائية يقوم بها الأجنبي في الأراضي المصرية، فكان منطلق هذا الوضع رغبة العثمانيين في تسيير الحياة اليومية للجميع مهما اختلفت ديانتهم، إلا أنه جاء بأمور لم تكن في الحسبان وخاصة أنهُ تزامنَ مع ضعف الدولة العثمانية، وهو ما فسحَ المجال لحدوث تجاوزات من الأجانب داخل الأراضي العثمانية بموافقة وعلم القناصل، ولذا سعت مصر مع نوبار باشا في تأسيس “المحاكم المختلطة” عام 1875 التي اعتمدت بشكل كامل على القانون المدني الفرنسي وقضاة أجانب، بعدها تم تأسيس “المحاكم الأهلية” في 1883 التي اعتمدت أيضا على القانون المدني الفرنسي ونخبة قضائية تدربت في فرنسا؛ وعليه أمسى دور المحاكم الشرعية يضعفُ شيئًا فشيئًا إلى أن بدأ في الاندثار في مناطق عديدة من السلطة العثمانية.

كان العثمانيون ملتزمين بالحد الأدنى من التعددية الفقهية والدينية لكل من كان يعيشُ داخل السلطنة العثمانية، إلا أن هذا التعدد فرضَ العديد من التحديات من قبيل الاحتكام في المسائل الجنائية إلى “قانون الجزاء العثماني” الذي طبقَ على الجميع، ولكن رأت السلطنة العثمانية أنَّ هناك مجالًا أكثر مرونة يقللُ من تدخلها في مسائل الأحوال الشخصية مثلًا، وهو ما تمثل في امتلاك مصر لسبعة أنواع من المحاكم من بينها “المحاكم الشرعية” و”المحاكم اليهودية” و”المحاكم القبطية” و”المحاكم الأرثودوكسية” و”المحاكم الأرمنية” وغيرها

وبشكل عام كان العثمانيون ملتزمين بالحد الأدنى من التعددية الفقهية والدينية لكل من كان يعيشُ داخل السلطنة العثمانية، إلا أن هذا التعدد فرضَ العديد من التحديات من قبيل الاحتكام في المسائل الجنائية إلى “قانون الجزاء العثماني” الذي طبقَ على الجميع، ولكن رأت السلطنة العثمانية أنَّ هناك مجالًا أكثر مرونة يقللُ من تدخلها في مسائل الأحوال الشخصية مثلًا، وهو ما تمثل في امتلاك مصر لسبعة أنواع من المحاكم من بينها “المحاكم الشرعية” و”المحاكم اليهودية” و”المحاكم القبطية” و”المحاكم الأرثودوكسية” و”المحاكم الأرمنية” وغيرها. لكن هذه التعددية القضائية خاصة في المحاكم الشرعية تم تقييدها كما يقال من طرف محمد علي باشا الذي ألغى النظام العثماني الإداري حيث ربط المحاكم الشرعية حصرًا بالفقه الحنفي، وهو ما سبب مشاكل للأحناف أنفسهم وخاصة أن الفقه الحنفي فيما يتعلق بالأحوال الشخصية يصعب فيه الطلاق مقارنة بالمذهب المالكي مثلًا، وهنا يجبُ ملاحظة أمر مهم وهو أن السلطة السياسية حينما تبدأ في التدخل بشكلٍ أكبر في الأحوال الشخصية للرعية يصبح أمرُ التقنين مهمًّا، فارتباط مهام القضاء الشرعي بما تريده السلطة السياسية فقط أتاح للسلطة قدرة عالية على التشريع فاسحًا المجال للتقنين.

التأريخ للمذهب المتأخر للحنفية وخاصة بعد تبني الخلافة العثمانية له مذهبًا رسميًّا واجه تحديات وجودية من داخل منظومة الفكر الإسلامي ذاته سواء من حركات الإحياء التاريخية أو من الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين

  • كيف تمت مأسسة تقنين الشريعة في حقبة الحركة الإصلاحية في القرن الـ19 والقرن الـ20؟

التأريخ للمذهب المتأخر للحنفية وخاصة بعد تبني الخلافة العثمانية له مذهبًا رسميًّا واجه تحديات وجودية من داخل منظومة الفكر الإسلامي ذاته سواء من حركات الإحياء التاريخية أو من الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. فنجد أن مذهب الحنفية في مصر مثلا الذي أصبح المذهب المعتمد في القضاء الشرعي بشكل عام في بدايات القرن التاسع عشر اكتفى فيه العُرف العثماني بجعل منصب قاضي القضاة مختصا بالحنفية لكنه جعل نُوّاب الشرع الشريف (القضاة في المناطق المختلفة من السلطنة) على بقية المذاهب الفقهية في القضاء الشرعي، كما أشرت إليه سابقا.

تم تجاوز هذا العُرف العثماني بعد مجيء محمد علي باشا إلى مصر عام 1804 وبعدها تم إلزام جميع القضاة بغض النظر عن مذهبهم بالحكم بالرأي الراجح عند الحنفية. وقد تسبب هذا التغيير في تفاقم إشكالات اجتماعية للمصريين وتعقيدات فقهية للحنفية خاصة في مسائل الطلاق والعقود التي تم تحييدها تاريخيًّا بتفويض القضاة المالكية مثلا في مسائل الطلاق للضرر. وبعد هذا التغيير ظهرت إشكالات جديدة مرتبطة بالتطبيق والتجديد والتلفيق. وانتهى الأمر بتبني المدرسة الإصلاحية لمحمد عبده (ت 1905) ورشيد رضا (ت 1935)، والمدرسة السلفية ومن اعتنق مذهبها مثل أحمد شاكر (ت 1958) وحامد الفقي (ت 1959) لإنهاء التقليد الفقهي بفصل التقليد الفقهي عن قضايا التشريع، واعتبار أن إلزام القضاة بالراجح عند الحنفية “تعصب مذهبي”، وأصبح منطق التشريع والتجديد الفقهي في مصر خاصة في مجال ما سُمّي “الأحوال الشخصية” في بدايات القرن العشرين ما هو إلا “أوامر وفرمانات عالية” من الخديوي أو “مبادرات” من وزارة الحقانية يتم التصديق عليها من بعض الشيوخ بأنها “لا تعارض الشريعة”.

وانتهى أمر التشريع إلى التقنين الكامل الذي قضى فعليا على المحاكم الشرعية والمجالس الملية مع مشروع السنهوري الذي -على الرغم من تقديره للتراث الفقهي- أثبت ضرورة إلغاء المحاكم الشرعية في كتاباته في سياق زخم الأيديولوجية القومية في تلك الفترة وإرهاصات ما بعد الاستقلال لتأسيس “القضاء الوطني” أو “توحيد القضاء” أو “دمج القضاء” قبل الإلغاء الرسمي في 1955 لصالح القانون المدني الجديد، الذي كتب نهاية القضاء الشرعي

وانتهى أمر التشريع إلى التقنين الكامل الذي قضى فعليا على المحاكم الشرعية والمجالس الملية مع مشروع السنهوري الذي -على الرغم من تقديره للتراث الفقهي- أثبت ضرورة إلغاء المحاكم الشرعية في كتاباته في سياق زخم الأيديولوجية القومية في تلك الفترة وإرهاصات ما بعد الاستقلال لتأسيس “القضاء الوطني” أو “توحيد القضاء” أو “دمج القضاء” قبل الإلغاء الرسمي في 1955 لصالح القانون المدني الجديد، الذي كتب نهاية القضاء الشرعي. ومشروع السنهوري يجب أن ينظر إليه أولا على أنه تعبير عن رؤيته السياسية لطبيعة الدولة القومية وسلطاتها ودور مؤسساتها التشريعية والقضائية وموقع الدين في مصر بعد الاستقلال، خاصة بعد سقوط الدولة العثمانية وإلغاء الخلافة.

وفي النهاية، أود أن أشير إلى ضرورة النظر النقدي لمشروع التحديث القانوني المصري في منتصف القرن العشرين على أنه استثناء من مشاريع التحديث القانونية والقضائية في العالم العربي والإسلامي. فالمؤسسات القضائية في المنطقة استفادت من التقنين المدني وجنت بعض ثمار تحديث مؤسساتها القضائية التاريخية في سياقات جديدة وبأدوات إجرائية وإدارية وتشريعية أكثر فعالية وارتباطا بالمجتمع. والأهم أن تلك الإصلاحات في العالم العربي والإسلامي لم تفض -كما حدث في مصر- إلى قطيعة معرفية ومؤسسية مع دولة ما قبل الاستقلال وثقافة وأعراف المجتمع أو إلى استبعاد كامل للنخبة القضائية والفقهية الإسلامية وغيرها في المحاكم الملية اليهودية والمسيحية.

وأزعم أن جزءًا من الإشكالات المتعلقة بما سمي “تطبيق الشريعة” في السياق المصري ضِمن مطالبات الحركات السياسية الإسلامية به تعلق جزئيا بإلغاء المؤسسات القضائية الإسلامية التي أتاحت تاريخيا ارتباطا بين الشريعة والمجتمع والتي كان يمكن دمجها وتحديثها في النظام القضائي الناشئ في مرحلة ما بعد الاستقلال كما نرى في معظم دول العالم العربي والإسلامي اليوم.

فرض التقنين المدني في مصر في مرحلة الاستقلال واستلهام بعض الأحكام الفقهية في بعض مواده يبدو أنه لم ينل أي حظ من المشروعية خارج سياق النخبة القانونية المسيطرة بقوة الدولة ويظهر أن هذا الاتجاه في التفكير قد أضر بظاهرة القانون في مصر إذ أصبحت شرعيته قائمة بشكل شبه كامل على القوة الباطشة للدولة وهو ما حرمه من غطاء أخلاقي

وأخيرا فإن فرض التقنين المدني في مصر في مرحلة الاستقلال واستلهام بعض الأحكام الفقهية في بعض مواده يبدو أنه لم ينل أي حظ من المشروعية خارج سياق النخبة القانونية المسيطرة بقوة الدولة ويظهر أن هذا الاتجاه في التفكير قد أضر بظاهرة القانون في مصر إذ أصبحت شرعيته قائمة بشكل شبه كامل على القوة الباطشة للدولة وهو ما حرمه من غطاء أخلاقي كان من الممكن أن يضمن حدًّا أدنى من المشاركة والمشروعية الاجتماعية والثقافية والدينية.


Source link

عن عبد الله

المؤسس و الرئيس التنفيذي لموقع الجزائر 48

شاهد أيضاً

7 طرق لتنسيق القميص الأبيض في صيف 2024 سترغبين في اعتمادها الآن

لا يمكن تصور خزانة أي امرأة أنيقة من دون القميص الأبيض، والذي تبرز أهميته في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *