تستعد فرنسا ودول غربية أخرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للاحتفال بمرور 80 عاما على العملية العسكرية الضخمة التي تم بفضلها تحرير فرنسا من النازية في 1944 والتي أطلق عليها اسم إنزال نورماندي (منطقة ساحلية تقع شمال فرنسا) وبمشاركة مئات الآلاف من الجنود. من بينهم واسيني بوعرفة، الجندي غير الغربي الوحيد الذي قاتل في نخبة فيليب كيفير العسكرية والعريقة. فمن هو هذا الرجل الذي ينحدر من غرب الجزائر وكيف وجد نفسه ضمن ملايين الجنود الغربيين؟
نشرت في:
6 دقائق
فتح عيونه للمرة الأولى في 1919 بالجزائر وتوفي ثم دفن قرب مدينة بوردو الساحلية في غرب فرنسا في 2007.
يعتبر واسيني بوعرفة المقاتل الوحيد غير الغربي الذي كان ضمن نخبة القائد كيفير التي تضم 177 جنديا قاموا بأول إنزال جوي على شواطئ “نورماندي” في 6 يونيو/حزيران 1944 خلال عملية عسكرية ضخمة أطلق عليها اسم عملية “أوفرلود” قاموا فيها بتنفيذ أول هجوم ضد مواقع الجيش الألماني النازي بإقليم “نورماندي”.
حفل تكريم المقاومة الفرنسية بحضور الرئيس ماكرون في ذكرى إنزال نورماندي
انضم واسيني بوعرفة صغيرا إلى البحرية الفرنسية بمدينة طولون الساحلية (جنوب فرنسا) حيث درس وتعلم مهنة التمريض.
في العام 1940، بعد توقيع الماريشال الفرنسي بيتان الهدنة مع النازيين، غادر إلى جزر الأنتيل (منطقة فرنسية تقع فيما وراء البحار) ثم بعد ذلك إلى بريطانيا حيث انضم إلى الكوماندوز الشهير الذي كان يتزعمه القائد فيليب كيفير.
اقرأ أيضاماكرون يكرم قدامى المحاربين في ذكرى إنزال نورماندي
وللفوز بثقة مسؤوليه العسكريين ويتم قبوله بشكل نهائي في هذا الكوماندوس، خاض تدريبات عسكرية صعبة وشاقة برفقة زملائه في الوحدة.
وهو ما أكسبه خبرة قوية في مجال القتال ومواجهة العدو. ثم أسندت لهذه النخبة العسكرية مهمة أساسية ومصيرية، ألا وهي تنظيم أول هجوم برمائي ضد مواقع الجيش الألماني النازي عند الساعة صفر من شواطئ نورماندي.
من “نورماندي” إلى هولندا لتأمين مرفأ أنفيرس
وتعتبر هذه الوحدة الأولى من قامت بالإنزال في منطقة نورماندي التي تحصنت فيها فرق الجيش النازي. وكان واسيني بوعرفة من بين المشاركين في هذا الهجوم، لكن لسوء حظه، أصيب بجروح في شاطئ “ويسترهام” خلال هذه المعركة.
بقي عدة أيام في المستشفى العسكري لتلقي العلاج. بعد خروجه، التحق من جديد بساحة القتال في منطقة نورماندي ثم انتقل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى موقع “فليسينغ” بهولندا ليشارك في القتال هناك، ويقوم بتأمين مرفأ أنفيرس الاستراتيجي.
وفي 24 مايو/أيار 1945، بعد أيام قليلة من استسلام الجيش الألماني وانتصار الحلفاء، شارك واسيني بوعرفة مع زملائه في الكفاح من فرقة فيليب كيفير النخبوية في العرض العسكري الذي أقيم في جادة “الشانزليزيه”.
اقرأ أيضافيديو: إنزال النورماندي 1944 … المعركة التي رجحت كفة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية
كان عمره 26 عاما. انبهر من الاستقبال الحار الذي حظي به من قبل الفرنسيين الذين جاؤوا بالآلاف لاكتشاف هذه النخبة العسكرية التي تجاوزت سمعتها منطقة نورماندي.
وسام شرف برتبة فارس
على الرغم من نهاية الحرب العالمية الثانية، إلا أنه واصل عمله كممرض في المستشفى العسكري التابع لمدينة طولون إلى غاية 1957 وهي السنة التي ترك فيها صفوف الجيش نهائيا.
ولد واسيني بوعرفة في مدينة مغنية غرب الجزائر في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1919. حصل على الجنسية الفرنسية في 1939 وهي السنة التي انخرط خلالها في البحرية الفرنسية كممرض.
في 2004، منحته الدولة الفرنسية وسام شرف برتبة فارس تكريما لمجهوداته في تحرير فرنسا والعالم من النازية ولعمله كممرض سامٍ في صفوف نخبة القائد فيليب كيفير.
وتخليدا له، خصص المؤرخ الفرنسي باسكال بلانشار والسينمائي رشيد بشوارب فيلما قصيرا يروي حياته العسكرية وانخراطه في نخبة كيفير.
وإلى جانب ذلك، حملت دفعة خريجي المدرسة العسكرية للمرضين والقطاع شبه الطبي التي ترست بين 2014 و2017 في مدينة طولون جنوب فرنسا اسم واسيني بوعرفة تقديرا لتضحياته والشجاعة التي أظهرها خلال إنزال نورماندي وفي ساحات القتال. من مدينة طولون، انتقل واسيني بوعرفة إلى غرب فرنسا وبالتحديد إلى بلدة “أرجوزانكس” بمحافظة “لي لوند” قرب بوردو غرب فرنسا.
بطل في فرنسا ومجهول في الجزائر
استقر هناك رفقة زوجته مونيك حتى وفاته في 13 يوليو/تموز 2007، أي قبل يوم واحد فقط من العيد الوطني الفرنسي. وعلى الرغم من رحيله، إلا أن عائلته وأقاربه ما زالوا يسكنون في الجزائر ويتذكرونه.
على غرار عمه بوعرفة هبيري الذي يعيش في مدينة ندرومة قرب تلمسان. هذا الأخير ألف كتابا عن مشواره وسيني بوعرفة العسكري لكنه “ينتظر الضوء الأخضر من وزارة الاتصال الجزائرية لكي يطرحه في الأسواق”.
اقرأ أيضامحاربون سابقون يستحضرون ذكرى عملية إنزال نورماندي
وقال في مقابلة هاتفية مع فرانس24: “لقد التقيت بواسيني بوعرفة مرة أو مرتين في العام 1982 عندما عاد إلى الجزائر. لا تزال عائلته في بلدتي مغنية وندرومة ولا يزال العديد من أبناء عمه يعيشون هنا بالجزائر”.
وتابع:” دونت كتابا عن حياته. لقد غادر الجزائر في سن السادسة عشر. لأنه كان يريد بشدة الالتحاق بالجيش الفرنسي. فسأل والده هل يستطيع أن يحصل على الجنسية الفرنسية. فأجابه نعم لكن بشرط أن تبقى مسلما وعربيا”.
وواصل: “تزوج واسيني بوعرفة بمواطنة فرنسية تدعى مونيك وعاشا سويا حتى فرقهما الموت. لكنه لم ينجب أطفالا”. ما جعله يتبنى أحد أبناء عمه الذي عاش معه سنوات طويلة في فرنسا، لكنه لم يتأقلم مع المناخ الفرنسي فعاد إلى الجزائر حيث لا يزال يعيش.
وإذا كان هذا الرجل يوصف بالبطل في فرنسا وحاز على العديد من الأوسمة وعلامات الشرف، إلا أنه لا يعرفه في الجزائر سوى أقاربه وبعض المؤرخين. أما الدولة الجزائرية فلم تتحدث عنه ولو لمرة واحدة.
طاهر هاني
Source link