غالبا ما يكون تأثير الكافيين هو أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما تفكر في القهوة، لكن الدراسة تلو الأخرى تُشير إلى أن فنجانك الصباحي المفضل من القهوة، “مليء بمواد كيميائية نشطة أخرى، قد تقلل من الالتهابات الداخلية، وتحمي من أمراض القلب وألزهايمر”.
ولعل الأكثر إثارة للدهشة أن “هناك شيء مهدئ بشكل لا يُصدق، من احتساء كوب قهوة يتصاعد منه البخار”، كما يقول خبراء التغذية بجامعة جونز هوبكنز.
شيء يشعر به من يقبضون بأيديهم على فنجان قهوة الصباح، ولا يجدونه في بقية المشروبات المحتوية على الكافيين؛ وهو ما يثير التساؤلات حول مدى مسؤولية الكافيين وحده عن جعل الناس يشعرون بهذه اليقظة، “وهل هناك أجزاء أخرى من طقوس الصباح -كرائحة القهوة أو طعمها- تساهم في تحقيق مزايا فريدة من شرب القهوة؟”.
قهوة الصباح
للإجابة عن هذه التساؤلات، قام باحثون برتغاليون بإخضاع 83 شخصا “ممن يعتمدون على قهوة الصباح، ليستطيعوا بدء يومهم”، لفحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، لفهم نشاط ونمط اتصال الدماغ الذي يُسبب هذا الشعور؛ وفحص 47 شخصا قبل شرب فنجان القهوة الصباحي، ثم فحصهم مرة أخرى بعد نصف ساعة من تناوله.
وإعطاء 36 شخصا آخرين قدرا من الكافيين المخفف بالماء الساخن -بدون قهوة- وإخضاعهم لنفس الفحوصات، قبل وبعد تناول المشروب.
وقد أشارت النتائج، التي نُشرت في منتصف عام 2023، إلى أن “شُرب القهوة يزيد من نشاط أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة قصيرة المدى والانتباه والتركيز، في حين أن تناول الكافيين بمفرده لم يُحدث ذلك التأثير”.
وهو ما يتفق مع نتائج عقود من الأبحاث التي أظهرت أن “الكافيين هو منبه نفسي، يمكن أن يساعد الناس على الشعور بمزيد من الإثارة واليقظة”.
قوة التأثير البصري والرائحة والمذاق
استنتج الباحثون أن “رؤية أو رائحة أو طعم القهوة، قد يساعد الناس على الشعور باليقظة، بغض النظر عن محتوى الكافيين”.
وقال مارك ماتسون، أستاذ علم الأعصاب المساعد في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز، والذي لم يشارك في البحث: “إن القهوة لها طعم ورائحة، لذلك عندما تشربها، فإنك تقوم بتنشيط مناطق الدماغ التي تشارك في إدراك طعم القهوة وتلك الرائحة”.
بدورها أشارت الدكتورة أوما نايدو، اختصاصية التغذية في كلية الطب بجامعة هارفارد، إلى “التأثير البصري القوي للقهوة”، حيث قد تثير رؤية القهوة ذكريات إيجابية، أو تجعل الشخص يعتقد أنه على وشك الشعور بمزيد من اليقظة.
وأكد الباحثان أنه “من الممكن أيضا أن يكون للمواد الكيميائية الطبيعية النشطة الموجودة في القهوة تأثيرات مستقلة على نشاط الدماغ، بصرف النظر عن تأثيرات الكافيين”.
مزايا تُضفيها القهوة على صباحاتنا
بخلاف أنها وسيلة رائعة لتنشيط النفس عندما تخبو شعلة الطاقة، تبقى القهوة طريقة بسيطة لكنها عميقة، لاستقبال عالمنا الصاخب بمزاج أكثر هدوءا ولطفا.
فالإحساس بكوب القهوة الصباحي الساخن بين راحتي يديك، واستنشاق رائحة البن الطازج، قبل الغوص في الاستمتاع بالمذاق؛ “يحقق عدة فوائد على مستوى تركيزك وسعادتك وحتى تعاطفك”، وفقا للخبراء الذين تناولوا 3 من أهم المزايا التي قد تُضفيها القهوة على صباحاتنا.
-
لحظة لليقظة الذهنية
شارون سالزبيرغ، المُعلّمة المعروفة في مجال التأمل، ومؤلفة الكتب الأكثر مبيعا، بحسب تصنيف صحيفة “نيويورك تايمز”، تقول “إن شرب كوب من مشروبك الساخن اللذيذ، يمكن أن يحقق حالة من اليقظة الذهنية والتركيز والتهدئة”، ولكن بشرط أن تعطيه اهتمامك الكامل.
لهذا، ينصح خبراء إدارة الوقت والإنتاجية، بتحويل قهوتك الصباحية إلى “طقوس لذيذة”، من خلال التركيز على المتعة البسيطة من قبيل طحن الحبوب، وتحضير القهوة، والصب، والرشف؛ “وما تتضمنه من أصوات وروائح ومذاقات، تبدو كأنها تعشش في خلاياك”.
ومما يحول تلك العادة التلقائية إلى طقوس يومية، تشير الدراسات إلى أنها “يمكن أن تحقق فوائد كبيرة في تقليل القلق، ومواجهة الضغوط، وتحسين الصحة العقلية”.
ففي خضم الحياة العصرية، تأتي أهمية طقوس الرعاية الذاتية التي تبدأ كل صباح، بإعداد فنجان القهوة المثالي، الذي يوقظ الحواس، ويوفر لحظة للتوقف والهدوء والتأمل.
فقد أوضح الدكتور نونو سوزا، الأستاذ في كلية الطب بجامعة مينهو البرتغالية، وأحد المشاركين في الدراسة؛ أن المتعة التي يوفرها شرب القهوة في الصباح، “هي جزء من طقوس مهمة بالنسبة للشخص ليشعر بأنه مستعد لبدء يومه”، مُضيفا أن الأشخاص الذين لا يشربون القهوة بانتظام “قد لا يجدون نفس التأثير”.
-
مشروب يُشعل الإبداع
لطالما كانت القهوة عنصرا أساسيا للأشخاص المبدعين، “حيث تضيف عاداتهم في شربها، مزيدا من تحفيز الدماغ وتدفق الأفكار الإبداعية”، كما تقول خبيرة اللياقة البدنية، كاث فريدريش.
كما أن تعزيز القهوة لليقظة يجعل عملياتنا المعرفية أكثر كفاءة، مما يسمح لنا بالتركيز على المهام لفترات أطول وتقليل عوامل التشتيت؛ “ويفيد القدرات الإبداعية التي تتطلب تركيزا عميقا واهتماما بالتفاصيل”. بالإضافة إلى أن طقوس تحضير القهوة ورائحتها الطازجة، يمكن أن تثير الحنين والذكريات الجميلة، وتُشكل أجواء إيجابية وممارسة تأملية ملهمة تمهد الطريق للإبداع.
-
فرصة للتعاطف والتواصل الاجتماعي
يمكننا أيضا الاستفادة من القهوة اجتماعيا، حيث قد يؤدي تخصيص بعض الوقت لتحضير المشروب ومشاركته مع الزملاء والأصدقاء؛ “إلى تحقيق قدر من المتعة وراحة البال والتعاطف بين أفراد المجموعة”.
فرغم أن معظمنا يستخدم القهوة للمساعدة على الانطلاق في الصباح، أو لإضافة القليل من النشاط إلى يوم العمل المتعثر؛ تقول “الجمعية النفسية البريطانية”، إن الأبحاث الحديثة تكشف عن تأثيرات نفسية تتجاوز مجرد تحسين اليقظة، “وفي مقدمتها الجانب الاجتماعي الذي قد يتعزز جرّاء شعور الشخص بالدفء تجاه من يقدم له كوبا ساخنا من القهوة”. وهو الاستنتاج الذي توصل إليه بحث أجراه عالما النفس الأميركيان لورانس وليامز وجون بارج، ونُشر عام 2009.
فإلى جانب الفوائد المعرفية والسلوكية، قد تلعب العوامل النفسية دورا في ربط القهوة بالمشاعر والتجارب الإيجابية لدى الكثير من الناس، وهو ما يعزز التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء أثناء الاستمتاع بجلسات احتساء القهوة”، بحسب كاث فريدريش.
كما أن الصداقة المشتركة خلال استراحة لتناول القهوة مع الزملاء الأصدقاء، “أصبحت لغة عالمية، تسد الفجوات وتعزز الروابط الاجتماعية الذي تجمع الناس معا”.
Source link