بيروت- رغم المخاطر المحدقة بلبنان في ظل توسع دائرة العدوان الإسرائيلي في الجنوب، والخلافات السياسية اللبنانية، والفراغ الرئاسي، يبذل رئيس مجلس النواب رئيس حركة أمل نبيه بري مساعي حثيثة على خط الوجود الفلسطيني في لبنان، بهدف إعادة تفعيل “هيئة العمل الفلسطيني المشترك”، من خلال استئناف اجتماعاتها بعد انقطاع طويل.
وتتمثل أهمية هذه الخطوة بالتوافق اللبناني الفلسطيني على ضرورة تعزيز أمن واستقرار المخيمات من جهة، ورص الصفوف، وتعزيز الوحدة الوطنية من جهة أخرى، لمواجهة أي تداعيات مباشرة أو غير مباشرة للحرب الإسرائيلية على غزة والجنوب.
وتُرجمت أولى خطوات هذه المساعي الحثيثة بعقد اجتماع بين مسؤول الملف الفلسطيني في حركة أمل محمد الجباوي، المكلف من الرئيس بري بمتابعة القضية، مع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وممثلي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بما فيها حركة فتح، على أن يلتقي أيضا ممثلي تحالف القوى الفلسطينية بما فيها حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي، للغاية ذاتها.
تحدي الوجود الفلسطيني
وأكد المسؤول السياسي لحركة حماس في صيدا أيمن شناعة، ضرورة أن تركز هذه الجهود على الحفاظ على هيئة العمل الفلسطيني المشترك، وليس على قاعدة السعي لإصلاح الخلافات بين الفصائل الفلسطينية.
ونفى شناعة أن تكون الخلافات الفلسطينية في لبنان هي التي علّقت عمل الهيئة، بل نسبها لوجود مشاكل بين جهة فلسطينية وبعض الجهات الأخرى غير المرتبطة مباشرة بالفصائل الفلسطينية، حسب تعبيره.
وأكد المسؤول السياسي على وجود الهيئة وأهميتها، واعتبر أن تغيير اسمها سيؤثر على دور ووجود الفلسطينيين في لبنان، مبررا ذلك بأن الجهات الرسمية تشدد دوما على ضرورة وحدة الفلسطينيين، وأن تغيير اسم الهيئة قد يشكل تحديا جديدا لوحدتهم، وقد يؤثر على علاقتهم مع السلطات اللبنانية.
كما أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عدنان يوسف للجزيرة نت أهمية الحفاظ على “الواقع الفلسطيني”، معتبرا أنه يحتاج إلى تطوير صيغ العمل والاتفاق على الأولويات، منها الأمنية والاجتماعية، ومتابعة ملف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا“.
وقال يوسف إن الخطر الإسرائيلي على المخيمات الفلسطينية في لبنان ليس أمرا جديدا، وإنه يهدف إلى ضرب الوجود الفلسطيني، “حيث تعتبر المخيمات مكانا للنضال والصمود، من أجل الدفاع عن حق العودة إلى الديار التي هجروا منها”.
إحياء الهيئة
وشدد مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان هيثم عبده على أهمية إعادة عمل الهيئة التي أسسها ورعاها الرئيس بري، نظرا لدورها في تحصين أمن المخيمات وتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني، في ظل الأزمات الراهنة، ولا سيما الاقتصادية والمعيشية وتقلص خدمات الأونروا.
وكشف عبده، في حديثه للجزيرة نت، أن جهود إحياء هذه الهيئة تمثلت بالتوافق على تشكيل لجنة ثلاثية، تضم ممثلين عن فصائل منظمة التحرير والتحالف والقوى الإسلامية، “والعمل جار على قدم وساق من أجل إعادة إحياء الهيئة واستئناف دورها على أرض الواقع”.
وأكد المسؤول أن وجود الشعب الفلسطيني اليوم مهدد أولا بمحاولات إنهاء دور “الأونروا”، بالإضافة إلى وجود تحديات اجتماعية كالبطالة والفقر وانتشار الآفات في المخيمات، وشدد على ضرورة تشكيل جبهة وطنية فلسطينية موحدة، تجمع كافة القوى الفلسطينية لقيادة المرحلة سياسيا وعسكريا.
وتأسست هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان عام 2018، بمساع من نبيه بري، على قاعدة ضرورة استثناء الساحة اللبنانية من تداعيات الخلافات الفلسطينية، وأن تُشكل الهيئة مرجعية سياسية وأمنية واجتماعية موحدة لمتابعة قضايا المخيمات وملفاتها الساخنة، ومعالجة المشاكل وحل الخلافات وتنظيمها بما يخدم مصلحة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وتضم الهيئة القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية الرئيسية، بمن فيهم ممثلون عن منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية والإسلامية في مخيم عين الحلوة، وحركة أنصار الله.
ووقع المشاركون في الهيئة على وثيقة تعتبر بمثابة ميثاق شرف، وتنص على اعتبار الساحة الفلسطينية في لبنان استثنائية، وتستدعي تناسي الخلافات والابتعاد عن الانقسام الداخلي.
ويتولى أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية أمانة سر هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ويكون أمين سر تحالف القوى الفلسطينية والإسلامية نائبا له، ويحضر اجتماعاتها المسؤول الأول لكل فصيل فلسطيني حصرا، وتجتمع الهيئة دوريا مرة كل شهر، وتُؤخذ القرارات داخلها بحسب الأكثرية.
واجهت الهيئة تحديات عديدة أثرت سلبا على سير عملها، حيث توقفت عن الاجتماعات في عدة أحداث، قبل أن تستأنف نشاطها في يوليو/تموز عام 2021، وبمساع جديدة من الرئيس بري.
محاولة جديدة
ويقول الكاتب والصحفي الفلسطيني محمد دهشة للجزيرة نت، وقد واكب انطلاقة الهيئة، إن الرئيس بري هو عرّاب تشكيل الهيئة ويتابع عملها باستمرار، على خلفية استشعاره بالخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، بعد سلسلة من القرارات والخطوات الأميركية، كإعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل ونقله السفارة الأميركية إليها.
واعتبر دهشة أنه إذا كان طي صفحة الخلافات الفلسطينية المركزية بات أمرا متعذرا بسبب التعقيدات السياسية والأمنية -رغم قيام مصر بدور الوساطة والرعاية وبعدها الجزائر وروسيا والصين- فإن الهدف من تأسيس الهيئة واستمرار عملها بنجاح هو استثناء الساحة الفلسطينية في لبنان من هذه الخلافات.
Source link